مسؤولية الآباء عن أفعالهم في حق الأبناء "دراسة فقهية"

ملخص الرسالة

مسؤولية الآباء عن أفعالهم في حق الأبناء "دراسة فقهية"

مقدمة:

الحمد لله خالق الأرض والسموات، منزل القطر ومخرج النبات، الحمد لله غافر الذنب وقابل التوبات، منزل الرحمات ومستجيب الدعوات، وعلى نبيه المصطفى أفضل وأتم الصلوات.

أما بعد: فلقد جاء الإسلام لتحقيق الخير والصلاح والسعادة للإنسان، وفي سبيل ذلك فإنه وضع التشريعات والتعليمات الكفيلة بتحقيق هذه الغاية، ابتداء بالأسر وانتهاء بالدولة، التي هي اللبنة الأولى لبناء الدولة القوية والمجتمع الصالح، فنرى كيف شرع الإسلام أحكامًا خاصة بالأسر حتى قبل تكوينها وبعد ذلك بما يضمن قيام هذه الأسرة بواجبها الأولي وهو تزويد المجتمع بأولاد صالحين يخدمون دينهم ومجتمعهم.

ومن ذلك نلحظ مدى اهتمام الإسلام بالأبناء، ونلحظ اهتمامه بهم حتى قبل أن يولد الابن وهو جنين في بطن أمه، ثم بعد ولادته خصه من التشريعات ما يكفل له حياة آمنة مستقرة، تلبى فيها حاجاته، وتسد رغباته، إلى أن يصبح قويًا قادرًا راشدًا معتمدًا على نفسه.

وقد عهد الإسلام بهذه المسؤولية الجسيمة إلى الآباء، فهم عليهم الدور الأول والأساس في تربية الأبناء، والقيام بشئونهم، ورعاية مصالحهم، وتعليمهم ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول، فالإمام راع وهو مسؤول، والرجل راع على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول»[1].

وبالرغم من أن الأولاد هم زينة الحياة الدنيا، وفلذات الأكباد، وأغلى ما يملك الآباء، فترى الأب مثلًا يسعى بكل جهده ليوفر لهم ما يحتاجونه من مستلزمات، ويحرص عليهم، ويبذل الغالي والنفيس من أجل راحتهم، إلا أن هذه الصورة قد لا تكتمل في عديد من الحالات، فنرى بعض الآباء يقومون بتصرفات وأفعال تؤدي إلى ضررٍ أو جنايةٍ بحق الأبناء، وربما كانت متعمدة أو غير متعمدة نتيجة الخطأ أو الإهمال والتقصير، فما هو الحكم في هذه الحالات، وهل يتحمل الأب مسؤولية ما لحق بابنه أم لا؟

هذا هو ما نحاول التعرف عليه من خلال هذا البحث المعنون بـ « مسؤولية الآباء عن أفعالهم في حق الأبناء ».

أولًا: مشكلة البحث:

تتلخص مشكلة البحث في معرفة تجاوزات الآباء في حدود حقوقهم، وجهلهم بالمسؤولية الواقعة عليهم، التي أدت إلى وقوع ضرر أو جناية على أبنائهم نتيجة لأفعالهم.

ثانيًا: أهمية الموضوع:

1. تسليط الضوء على مسؤولية الآباء المدنية والجنائية تجاه أبنائهم.

2. يُظهر الموضوع عظمة التشريع الإسلامي ومدى اهتمامه بالأبناء، وحمايته لهم حتى من أقرب الناس إليهم وأكثرهم رحمة وشفقة.

3. حيوية موضع البحث، وخاصة في أيامنا هذه التي كثر فيها وقوع الضرر على الأبناء وتخلي كثير من الآباء عن مسؤولياتهم، واستهانتهم بحقوق أبنائهم.

ثالثًا: أسباب اختيار الموضوع:

1. ما ذكر سابقًا من أهمية الموضوع.

2. جمع المسائل المتعلقة بمسؤولية الآباء في مؤلف واحد ليسهل الاطلاع عليها ومعرفتها من قبل المهتمين.

3. كثرة ما نسمع في هذه الأيام من حوادث مؤلمة تلحق بالأبناء، ويكون للآباء دور في التسبب بذلك.

رابعًا: أهداف البحث:

1. إضاح حقوق كل من الآباء والأبناء تجاه بعضهم البعض.

2. بيان مسؤولية الآباء المدنية والجنائية تجاه أبنائهم.

3. معرفة العقوبات المترتبة على مسؤولية الآباء عن أفعالهم تجاه أبنائهم.

4. قيادة الوعي لدى المجتمعات المسلمة وخاصة الآباء لدورهم ومسؤوليتهم الدينية والدنيوية تجاه أبنائهم.

5. رجاء أن يكون حافزًا للآباء للمزيد من الاهتمام بأبنائهم بعد الاطلاع على مسؤولياتهم الثقيلة التي يعالجها البحث، والنظر في عواقب أفعالهم.

خامسًا: الجهود السابقة:

بحسب - اطلاعي وبحثي - على موضع البحث فإني لم أجد من استوفى الموضوع بدراسة خاصة له، من خلال الحديث عن المسؤولية المدنية والجنائية التي يتحملها الأب والمترتبة على أفعاله التي ألحقت الأذى والضرر بالابن، ولكن هنالك العديد ممن تناول أحد جوانب الموضوع وهو تأديب الأولاد وما قد ينتج عنه من أخطاء وتجاوزات تسبب الضرر للأبناء، ومما كتب في ذلك:

1. «المسؤولية الجنائية عن خطأ التأديب والتطبيب»، وهي رسالة ماجستير للباحث نائل يحيى، جامعة الأزهر بغزة.

2. «أحكام التجاوزات الناشئة عن التأديب المشرع في الفقه الإسلامي»، وهي رسالة ماجستير للباحثة سمية الداية، الجامعة الإسلامية - غزة.

وهناك دراسات أخرى تناولت جانب المسؤولية منها:

• «مسؤولية الآباء عن جرائم الأبناء؛ دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية»، رسالة ماجستير لمحمد الشماسي، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.

وهي تتفق مع الرسالة في الحديث عن المسؤولية وأنواعها المدنية والجنائية، ولكنها تتناول جانب أفعال الأبناء أو جرائمهم، أما هذه الرسالة فهي تتناول أفعال الآباء في حق الأبناء.

• «مسؤولية الآباء تجاه الأولاد»، لعبد الرب آل نواب.

الكتاب يتحدث عن مسؤولية الآباء ودورهم في تربية أبنائهم التربية الإسلامية الصحيحة، ولكنه لم يتطرق إلى أفعال الآباء ومسؤوليتهم عنها في حال الإضرار بالأبناء.

سادسًا: منهج البحث:

ينقسم المنهج إلى قسمين:

أ. المنهج التأصيلي:

اتبعت المنهج الوصفي الاستقرائي في البحث.

ب. منهج الإجراءات:

1. أوردت أقوال الفقهاء وأدلتهم في المسائل الفقهية، ثم اجتهدت في ترجيح الأقوى منها.

2. عزوت الآيات القرآنية بذكر سورها وأرقامها.

3. خرجت الأحاديث النبوية من مظانها حسب الأصول المتبعة.

4. عزوت المعلومات إلى مظانها الأصلية ما أمكن ذلك.

5. عند توثيق المراجع والمصادر بدأت باسم المصنف أو شهرته، ثم اسم الكتاب، ثم دونت رقم الجزء إن وجد، ثم رقم الصفحة في الحاشية، وباقي المعلومات ذكرتها في قائمة المصادر والمراجع في آخر البحث.

6. ذيلت البحث بفهرس للمراجع والمصادر والموضوعات.

سابعًا: خطة البحث:

يتكون البحث من مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة، كما يلي:

الفصل التمهيدي: حقوق الآباء والأبناء في الإسلام:

المبحث الأول: مفهوم الحق وأقسامه.

المبحث الثاني: حقوق الآباء على الأبناء.

المبحث الثالث: حقوق الأبناء على الآباء.

الفصل الأول: مسئولية الآباء المدنية عن أفعالهم نحو الأبناء.

المبحث الأول: مفهوم المسؤولية ونوعها وشروط تحققها وأساسها.

المبحث الثاني: حقيقة المسؤولية المدنية ونوعها وشروطها.

المبحث الثالث: مسؤولية الآباء المدنية عن أفعالهم العمد.

المبحث الرابع: مسؤولية الآباء المدنية عن أفعالهم غير العمد.

الفصل الثاني: مسئولية الآباء الجنائية عن أفعالهم نحو الأبناء:

المبحث الأول: حقيقة المسؤولية الجنائية وسببها وشروطها.

المبحث الثاني: مسؤولية الآباء الجنائية عن أفعالهم العمد.

المبحث الثالث: مسؤولية الآباء الجنائية عن أفعالهم غير العمد.

الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي خلص إليها البحث.

فهرس المحتويات